مجتمع
ظاهرة «الخطافة» في طنجة.. نقل سري يُشغل العاطلين ويهدد حياة المواطنين

في مدينة عروس الشمال، حيث ملتقى البحرين ومهد الحضارات، وملتقى الثقافات، أضحت ظاهرة النقل السري، أو ما يُعرف في الأوساط الشعبية بـ«الخطافة» أو «سراق البلايض»، أضحت ظاهرة منتشرة بشكل لافت في المدينة، خصوصًا بالأحياء الشعبية، حيث يكثر الطلب على النقل.
لا يختلف اثنان أنه نتاج لأزمة المواصلات بالمدينة، ليبقى النقل السري مرآة للخصاص في النقل العمومي. وفي الجانب الاجتماعي، تُشكّل الظاهرة مجالًا، وإن كان غير قانوني، لعدد لا يستهان به من الأسر لكسب عيشها ووسيلة لمحاربة البؤس داخلها.
في طنجة، أضحى انتشار أسطول سيّارات النقل السري، ومعه أعدادٌ كثيرةٌ من الدراجات ثلاثية العجلات، معتادًا. ويمكن ردّ ذلك إلى الكثافة السكانية المتزايدة بالمنطقة نتيجة وفرة فرص الشغل في المجال، الأمر الَّذِي خلق حاجة ماسة إلى وسائل النقل، لا سيَّما أنّ القطاع المهيكل، المُتمثّل خاصة في سيارات الأجرة، لم يستطع الاستجابة لهَذَا الطلب لاعتبارات متعددة، فكانت الفرصة سانحة لـ«الخطافة»، الَّذِينَ رغم ما يشكلونه من خطر على أنفسهم وعلى الركاب ومستعملي الطريق عمومًا، بسبب الأسطول المهترئ وتجاوز الحمولة وغياب شروط السلامة، وغير ذلك، فقد أصبحوا أمرًا واقعًا.
فتَّاح سائق طاكسي لمدة تزيد عن 20 سنة، أكَّد في تصريح خص به جريدة «لاديبيش»، أنّ «سائق سيارة الأجرة يشتغل في ظروف مزرية وإكراهات مادية ومعنوية مختلفة، منها ضعف المدخول وغياب التغطية الصحية لفائدة أفراد أسرته، وغيرها، ما يجعل غالبية المشتغلين في هَذَا القطاع يلجؤون في نهاية المطاف إلى العمل في النقل السري، لتجنب تلك الضغوط النفسية والمادية في القطاع المهيكل».
وأكد فتاح: «نجد أن الخطافة يتجاوزون في كثير من الأحيان مجال اشتغالهم، إذا افترضنا أن لهم مجالًا خاصًا بهم، فيقتحمون بعض مجالات عمل سيّارات الأجرة، كالطرق الوطنية والمراكز الحضرية، ما يجعل سائقي سيارات الأجرة يدخلون في مشادات معهم».
وتابع قائلا: «يمكن أن نقبل مثل هَذَا النقل في المناطق الَّتِي لا تصلها وسائل النقل المقننة، كما أظهرت جائحة كورونا حاجة الطبقات الضعيفة إلى هَذَا النوع، وجرى تحديد عدد الركاب المسموح بنقلهم، مما أدى إلى الإقبال على الخطافة».
ومن المشاكل الَّتِي يعانيها السائق المهني، إلى جانب مشكل النقل السري، عدد من السائقين بسيارة الأجرة، أن «النقل المزدوج، غير محدد الوجهة ولا عدد الركاب، أضف إلى ذلك حافلات النقل الَّتِي غالبا ما تتجاوز طاقتها الاستيعابية، ما يؤثر في مدخول السائق المهني ويضاعف معاناته مع التحملات المادية».
بنعجيبة فاعل مدني بطنجة، أكّد أيضًا لجريدة «لاديبيش» أنّه: «على الرغم من أن هَذَا النشاط خارج القانون، بلغة مدونة السير، فهو يؤدي أدوارًا مهمّة وطلائعية، وله إيجابيات في حلّ أزمة الساكنة، كما تُعدُّ مصدر عيش لمئات الأسر، في ظل غياب الإحصائيات الرسمية، والتعريفة المعقولة الَّتِي هي في متناول فئات عديدة من مستعملي هَذَا النوع من النقل، وعدم الأداء على الأطفال الصغار، على عكس سيارات الأجرة المرخص لها والحافلات، فضلًا عن إيصال الخدمة في الغالب إلى منازل الزبائن أو على مشارفها، وهَذَا منعدم لدى سيارات الأجرة».
ومن إيجابيات «الخطافة» حسب ذات المتحدث، «التأهب الدائم لتقديم مجموعة من الخدمات ولو في ظروف الليل والساعات المتأخرة، يكفي فقط اتّصالٌ هاتفيٌّ ليفك كل المشاكل، إلى جانب خدمات أخرى وفي مختلف الأوقات، كالتبضع للغير وإحضار المستلزمات والأدوية وأداء فواتير الكهرباء والماء ولعب دور سيارة الإسعاف في بعض الأحيان».
وتابع قائلًا: «أرى أنها إيجابيات مهمّة ربطت أواصر الصداقة الَّتِي تحولت إلى قرابة بين أصحاب سيارات النقل السري والزبائن؛ بحيث أصبح المساس بهم ومضايقتهم خطًّا أحمرَ، غالبا ما يتحول إلى احتجاجات ووقفات واعتصامات دفاعًا عن هَذَا النشاط رغم عدم قانونيته».
ومن الجانب الآخر، أقر الفاعل الجمعوي بنعجيبة، بأنّ النقلَ السريَّ، «رغم إيجابياته العديدة، فإنّه يكتنف ويكتنز سلبيات خطيرة، نجمل منها ما يلي: استمرار حوادث السير؛ بحيث تكون ضريبة استعمال هَذِهِ الوسيلة ثقيلة، خصوصًا أنّها خارج القانون، الأمر الَّذِي يجعل مصير ركابها فوق كفّ عفريت، بالإضافة إلى اهتراء وعدم صلاحية معظم السيارات المستعملة في هَذَا النشاط، دون إغفال بعض طرق تشغيلها الَّتِي تُعدُّ قنابل موقوتة غالبًا، مع استمرار الاحتقان الأبدي بين أرباب سيّارات الأجرة المرخص لها وأصحاب سيارات النقل السري المدعومين بالزبائن، ما يُخلّف اصطدامات قد تصل إلى متابعات قضائية في غالب الأحيان».
وأضاف المُصرّح أنّه: «أمام الإيجابيات الكبيرة للنقل السري، خصوصًا في ظل ضعف أو قلة سيارات الأجرة، ونظرًا لتشبّث شريحة كبيرة بالخطّافة، وفي تعارض تام مع قانون مدونة السير المانع للظاهرة، لا بُدَّ من إيجاد حلول ناجعة.
في ظل هَذِهِ الظاهرة، يجب منح رخص النقل المزدوج وتنظيم، إحصاء العاملين في الميدان، ومدّ يد المساعدة لهم في إطار برنامج وطني للتأهيل وتقنين وإضفاء نوع من الشرعية على القطاع، مع سنّ قوانين جديدة مرتبطة بالظاهرة، وتمديد مسار أسطول النقل العمومي إلى وسط الدواوير البعيدة عن الطرق الوطنية».
إنّ دينامكية وحركية مدينة طنجة والإقبال المتزايد عليها من طرف الراغبين في العمل بهَذِهِ المدينة، تفرض بروز ظواهر اجتماعيّة، قد تكون عشوائية، لكن يجل قبولها والعمل على تطويرها، ما دام الأمر أصبح مقبولًا من طرف المواطنين.
