مقالات الرأي
سخافة السخافة

تحوَّلت أغلب منصَّات التواصل الاجتماعي، إلى فضاءات لنشر جميع أنواع الانحطاط الأخلاقي، بما فيها المنشورات غير اللائقة لجميع الفئات العمريَّة، وأضحت أغلب هَذِهِ القنوات منبرًا لكلّ خُلق فاسدٍ يتباهى به البعض، ويطرب به شريحة كبيرة من المجتمع، بل إنَّ أغلب هؤلاء حوَّل هَذَا الانحلال المُفاجئ وسط مجتمع محافظ إلى صنعة يُجني من ورائها أرباحًا كثيرةً، ولعلّ هَذَا هو الحافز الأكبر الَّذِي يدفع بأسماء معروفة أحيانًا في محيطها الضيّق إلى إبداء سلوكيات عرجاء لا ترقى إلى أيّ معيار أخلاقي، وسط هَذَا العالم اليوم تجد أنواعًا مُتنوّعة من الرداءة الَّتِي أصابت جميع المجالات، وتحوَّلت تدريجيًا من سلوك شائن ينفر منه أصحاب الذوق السليم إلى واقعٍ مقبولٍ، يتم من خلاله السماح بكلّ الممارسات بحجّة أنَّ الأغلبية تتفاعل إيجابًا مع المحتويات المنشورة.
وهَذَا ما جعل أغلب الأسر تستشعرُ حجمَ الخطورة على أبنائها، وتُحاول جاهدة إنقاذهم من محتويات تُدمّر جميع أنماط التربية، وتُخلّف جيلًا فاسدًا لا يُفرّق بين الصَّالح والطَّالح. ما يتداول من فيديوهات وصور ومواضيع جدّ تافهة، له معنان اثنان أنَّ المجتمع قد وصل إلى مستوى سيئ من تردي الأخلاق، وأنَّ كل القيم الَّتِي نادى بها المُربّون، من ذي قبل، على اختلاف مواقعهم تُهدم بسرعة يصعب إيقافها، كما تشير هَذِهِ السلوكيَات إلى أنَّ البنية الأخلاقيَّة الَّتِي امتاز بها الجيل الأوّل والثاني من المغاربة، استبدلت ببنية يكون فيها البقاء للأكثر فسادًا.
ما تزرعه هَذِهِ المحتويات الفاشلة هو ما نحصده من جرائم داخل المجتمع، جرائم لم يسبق أن سُجّلت بهَذِهِ الحدّة، ولعلّ المساهم الرئيس في القضاء عليها يكمن في القضاء على أصل هَذِهِ الفتن وأوّلها تشديد الرقابة على جميع ما ينشر من موادّ هادمة، ولا تنسجم مع المعايير الأخلاقيَّة الَّتِي تطمح المجتمعات الراقيَّة إلى التمسك بها والتباهي في المحافل العلمية والثقافيَّة.
أسوأ ما يمكن لمجتمع ما أن يعيشه هو وجود نخبة فارغة لا ينظر إليها إلا عند المناسبات وفي المواسم المعدودة، وفتح المجال لشرذمة مُعيّنة بأن تُصبح نموذجًا يهتدى به، وتقام له بهرجات وخرجات إعلامية تسويقًا للمنتوج وترغيبًا في التقليد، وهَذَا عين ما وصل إليه مجتمعنا اليوم، حيث غُيّبت المعالم الثقافيَة واستبدلت بغثاء وجد السَّاحة فارغة من مُثقّفين وعلماء ركنوا جانبًا واختاروا الانزواء بعيدًا، مُتخلين عن جميع أدوار التثقيف والتربية، مُوزعين على طوائف ثلاث: طائفة أعياها النداء دون استجابة، وطائفة تحاول الوقوف موقف الوسط فلا هي حافظت على موقعها ولا استطاعت الدفاع عمَّا آلت إليه الأوضاع، وطائفة ثالثة شبه مُثقّفة تحمل من الأسماء ما ليس لها من الصفات انخرطت في البلدة الاجتماعيَّة وروجت للتافهين من وراء حجاب.
ما وصل إليه مجتمعنا اليوم يُنذر بحلول كارثة أخلاقيَّة وتربويَّة، كما ينذر بسقوط صورة المغربي المُثقّف، الَّذِي يحمل معه هم التربية والتكوين والمنافسة والإبداع والحفاظ على موروث ثقافيّ وحضاريّ ناضل من أجل تحقيقه، مدارس وأعلام نالوا جزاء الرحمة برحيلهم دون رؤية هَذَا الحال المؤسف، الَّذِي يُقدّم فيه الرويبضة وينزلون الناس على غير قدر منازلهم. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
