تواصل معنا

آخر الأخبار

المشهد الجمعوي والاستثمار العمومي في البنية التحتية الثقافية بطنجة‎

دائما ما عُدّت مدينة طنجة منطلقًا لجهود مجتمعية مميّزة تسعى إلى تحقيق التنمية المجتمعية ودعم الفئات الأكثر احتياجًا، وتتجلّى أصالة العمل الجمعوي في عاصمة البوغاز بشكلٍ ملموسٍ، من خلال عددٍ من المبادرات والجمعيات، الَّتِي تعكس روح التضامن والمسؤولية الاجتماعية.

وعمومًا فإنَّ دينامية العمل الجمعوي تعكس قوّة المجتمع ومدى استجابته لاحتياجات الناس، كما يساهم في بناء مجتمع أفضل وأكثر تلاحمًا وتضامنًا، ويُجسّد قيم التفاني والعزيمة في تحقيق تغيير إيجابي يعمّ الفوائد على الجميع.

ويُعدُّ العملُ الجمعويُّ أيضًا جسرًا للتعاون بين القطاعين العامّ والخاصّ، وآلية لتدعيم شراكات مجتمعية تعمل على تحسين البنية التحتيّة وتعزيز فرص العمل بالمدينة أو القرية على حدّ سواء.

هذه الدينامية التعاونية غالبًا ما تُحقّق نجاحاتٍ ملموسةً في تطوير مجالات مثل السياحة والبنية التحتية، ما يُعزّز النموّ الاقتصادي ويسهم في توفير فرص عمل جديدة.

وعلى امتداد العقود وتراكم المتغيرات، برز عدد من التحدّيات الكبرى في مواجهة العمل الجمعوي في طنجة، منها نقص التمويل وضيق الموارد، مما يُؤثّر في قدرة هذه المؤسّسات على تقديم خدمات أوسع نطاقًا، كما أنَّ الفضاء الجمعوي لم يسلم –بدوره- من عبث المتطفلين والمتسلقين ممَّن اتّخذوا هذا النشاط النبيل وسيلةً وغطاءً لهم لبلوغ مآرب أخرى ليست دائمًا نبيلة.

وحسب وثيقة رسميّة صادرة عن المجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ، تحمل اسم نقطة يقظة، فإنَّ وضع العمل الجمعويّ بالمغرب لم يصل بعد لمستوى طموح مختلف الفاعلين، إذ نسب المصدر ذاته ذلك لإكراهات قانونية إدارية مُتمثّلة في ممارسات إداريّـة تقييديّة أحيانًا لا تُشجّع على إنشاء جمعيات أو تجديد أجهزتها التسييريّة طبقًا للمقتضيات القانونيّة المتعلّقـة بالحقّ فـي تأسيس الجمعيات، وفي تعقيـد وبطء الإجراءات المتعلّقة بحقّ الجمعيات في تقديـم العرائض.

كما يلاحظ متتبّعو الشأن المحلّيّ، أنَّ المجهوداتِ المبذولةَ على مستوى الاستثمار في البنية التحتية والاستقباليَّة الثقافيَّة، قد تكون دونما جدوى في حالة استمرار الوضع الذي يتخبّط فيه المشهد الجمعويّ والثقافي بعاصمة البوغاز. في حين يسعى عدد من الأحزاب السياسية والساسة في طنجة إلى التفاعل مع المجتمع المحلي من خلال مشاركتهم في الأنشطة الجمعوية-على قلتها.

ويرى فاعلون سياسيّون أنَّ من شأن هذا التفاعل تعزيز التواصل بين القوى السياسية والمواطنين، وقد يُسهم في تحسين الخِدْمات العمومية بالمدينة، رغم أنَّ، تحدّياتٍ كبيرةً أيضًا تظهر في هذه العلاقة. فالبعض يعتبر أنَّ تورط السياسيين في العمل الجمعوي يؤدي إلى تحوّل الأنشطة الجمعوية إلى أداة لخدمة الأجندة السياسية الشخصية، ما يُؤثّر سلبًا في مصداقيتها، ويستدعي إقرار حدودٍ واضحةٍ بين النشاطين وضمان نزاهة العمل الجمعوي.

وبشكل عام، تظهر أيضًا علاقة السياسيّ بالعمل الجمعوي في طنجة كعلاقة ملتبسة يجب تقييمها بعناية ويُتعاطى معها بحذرٍ، خاصّةً أنَّ الانتخابات الأخيرة استقطبت عددًا كبيرًا من الوجوه الجمعوية بالمدينة. ومن أبرز نتائج هذا الاستقطاب ارتهان معظم الإطارات الجمعوية للأجندات السياسوية والمصلحية الضيقة، بذريعة التمويل تارةً أو بذرائع ومبررات أخرى.

وتعرف الساحة الجمعوية بمدينة طنجة ركودًا واضحًا، إذ تكاد الفضاءات العامة تخلو من الأنشطة والمبادرات، التي تراجعت كمًّا ونوعًا، وباتت منحصرةً في مناسبات مُعيّنة.

الجدير بالذكر، أنَّ التواصل والتلاقي بين الساسة وممثلي المجتمع المدني يمكن أن يكون مفيدًا للجميع، إذ يمكن للساسة الاستفادة من رؤى واقتراحات المنظمات الجمعوية لتحسين سياساتهم وبرامجهم، وبالمقابل يمكن للمنظمات الجمعوية الاستفادة من دعم الساسة في تحقيق أهدافها، غير أنَّ الواقع المغربي يبقى بعيدًا عن إمكانية تجسيد هذه المعادلة.

 

تابعنا على الفيسبوك