القانون والناس
القانون وجريمة إهمال الأسرة إلى أين؟!

لم يعدْ مفهومُ الأسرة هو الاستقرارُ والسكينةُ والأمنُ والأمانُ والمودّةُ والرحمةُ، الَّتِي سارت عليها البشريةُ؛ بل أصبحت شركة مجهولة الهُوية، ومحدودة النسب، تقتصر على استخلاص الأرباح ممَّن له السلطة ورمي الخسائر على الطرف الضعيف من المساهمين الأساسيين، وفي حالة تدخّل الأغيار يُعلن الإفلاس، وبالتالي صعوبة المقاولة ودخول هَذِهِ الشراكة في متاهة رُدهات المحاكم، ليتمَّ تفتيت السيولة الماديّة والمعنويّة بين المساهمين والتخلّي عن المُساهمين الضعفاء، هَذِهِ هي الأسرةُ في زمن التكنولوجيا وتغير المبادئ؛ في حين هناك مَن يترك الشركة قائمة على ساقٍ واحدةٍ، ويلوذ بالفرار متمسكًا فقط بالأنا والأنانية وبعده الطوفان، فهل المجتمعُ المغربيُّ سيتمكّن من إعادة الاعتبار لمفهوم الأسرة من خلال مدونة الأسرة والقوانين، الَّتِي سعت إلى مُجابهة ومواجهة كلِّ مَن تجرَّأ على التطاول والتعدّي على قداسة البيت المغربي؟! وهل إهمال طرف من الزوجين يخول له الحقّ في تحصيل حقوقه أو عدم السماح لعرض التصالح؟!
من جهة أخرى خصّص المُشرّعُ المغربيُّ لجريمة إهمال الأسرة الفصول من (479) إلى (482) من القانون الجنائي لردع وإعادة الاعتبار لدور الأسرة، وترك إعادة هيكلة المفاهيم الصحيحة للأسر، حيث تُعدُّ الفصول السند القانوني للتجريم والعقاب على هَذِهِ الجريمة، إذ تحدد نوع الأفعال المُجرّمة قانونًا والمعتمدة كأساس للمتابعة عند اقترافها ممَّن تتوافر فيهم الصفةُ المتطلبةُ قانونًا، كما تعدد هَذِهِ الفصول العقوبات المقرَّرة لها، الَّتِي تكون إما عقوبات سالبة للحُرّية والحقوق وإمَّا عقوبات مالية مظاهر جريمة إهمال الأسرة.
وتتحقّق جريمة إهمال الأسرة في الحالات التالية:
- مغادرة أحد الوالدين بيت الأسرة
تتحقّق واقعةُ مغادرة أحد الوالدين بيت الأسرة، بأن يترك أحد الوالدين بيت الزوجية دون عُذرٍ قانونيٍّ أو موجب قاهر، مع ضرورة وجود أبناء شرعيّين على الأقل بالنسبة للأبّ، أمّا الأم فيمكن متابعتُها أيضًا حتَّى لو كان الابن طبيعيًا بالنسبة لها أو أن يتركَ الزوج زوجته بشكل مُتعمدٍ في حالة حمل مع علمه بحملها. وهَذَا الترك يجب أن يزيدَ عن الشهرين، وواقعة الزمن هَذِهِ يمكن إثباتُها بكلِّ وسائل الإثبات، ولا تنقطع إلا بالعودة الفعلية لبيت الزوجيّة. ويُعاقب على هَذِهِ الجريمة وَفْق الفصل (479) ق .ج، بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من 200 إلى 2000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
- التهرّب من النفقة
نصَّ المُشرّع في الفصل (480) من (ق .ج) على أنّه: «يُعاقب بعقوبة إهمال الأسرة من صدر عليه حكمٌ نهائيٌّ أو قابل للتنفيذ المؤقت بدفعه نفقة إلى زوجه أو أحد أصوله أو فروعه وأمسك عمدًا عن دفعها في موعدها المحدد».
فانطلاقًا من هَذَا النص، يتبيّن أنَّ الجريمة المذكورة، تقوم أيضًا متى أمسك الجاني عمدًا عن أداء النفقة لمستحقيها، زوجة كانت، أو أحد الأصول، أو الفروع، وذلك بعد إصدار حكم نهائي أو قابل للتنفيذ المُعجّل يقضي بأدائها، وأن يمسك المدين عن دفعها عمدًا.
- الإهمال المعنوي للأطفال
ينص الفصل (482) من (ق. ج) «إذا تسبب أحد الأبوين في إلحاق ضرر بالغ بأطفاله أو بواحد أو أكثر منهم، وذلك نتيجة سوء المعاملة أو إعطاء القدوة السيئة في السكر أو سوء السلوك أو عدم العناية أو التقصير في الإشراف الضروري من ناحية الصحة أو الأمن أو الأخلاق، يُعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنة وغرامة من مئة وعشرين إلى خمسمئة درهم، سواء حكم عليه بالحرمان من السلطة الأبوية أم لا. ويجوز علاوة على ذلك، أن يحكم على مرتكب الجريمة بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل (40) من خمس سنوات إلى عشر».
