مجتمع
الفرن يعيد صلة وصله مع ساكنة الأحياء الشعبية مع اقتراب عيد الفطر بطنجة

كما هو معلوم، مرَّ شهر رمضان الفضيل في أجواءٍ روحانيّةٍ، مملوءة بالصلاةِ والعبادةِ وصلة الرحم، غير أنَّ من مميّزات هَذَا الشهر أيضًا إحياء مجموعةٍ من العادات والتقاليد، الَّتِي يحييها المغاربة كل سنة، إذ تعيد ربط الحنين في بعض المرات مع الماضي، فعددٌ من الأسر الطنجاوية، خصوصًا القاطنة في الأحياء الشعبية، تعيد ربط الحنين وربط صلة الوصل مع «فران الحومة»، الَّذِي كان ولا يزال حلقة أساسية في الحفاظ على التقاليد والعادات المغربية الأصيلة، فهو حاضر كموروث ثقافي مادي بشكل غير مباشر في موائد الرحمن خلال رمضان وأيضًا عبر مائدة عيد الفطر.
فالفران التقليدي ورغم تراجع أعداده بطنجة، غير أنّه ظل صامدًا، إذ يُعدُّ مرفقًا ضروريًا، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بمدينة مثل طنجة مدينة عتيقة وضاربة في القدم، تُعدُّ مهد الحضارات وملتقاها، الأمر الَّذِي يجعل من الفرن التقليدي ميزة من مميزات البنية المعمارية والموروث المادي، بل هناك الكثير من الأحياء الَّتِي عرفت بأسماء أفرانها.
غير أنَّ التطور العمراني وظهور اختراعات جديدة يسرت للناس سبل الحياة، لم يعد لفران الحومة تلك الأهمية الكبيرة داخل الأحياء، واستعاض الناس عنه بأفران منزلية عصرية لطهي الخبز والحلويات والخضراوات وطواجين السمك، غير أنَّ «شهيوات رمضان» تعيد الناس من جديد للإقبال على خِدْماته الَّتِي تُعدُّ ضرورية في المطبخ المغربي التقليدي.
تغير نمط عيش الساكنة وبروز أفران كهربائية حديثة وشيوع نمط معماري عصري وانتعاش قطاع المخابز العصرية، لا سيَّما بالأحياء الجديدة، من بين عدة عوامل ساهمت في تراجع قطاع الأفران التقليدية بشكل عام، وإن كان الطلب على خِدْماتها لا يزال مرتفعًا ببعض الأحياء الشعبية أو بالنسبة للراغبين في تحضير بعض الوجبات التقليديّة.
فخلال شهر رمضان ومع اقتراب عيد الفطر، يصبح الإقبال كبيرًا على الفرن بمدينة طنجة، خصوصًا الأحياء الشعبية «بني مكادة/المدينة القديمة/المصلى/كسابراطا….»، الأمر الَّذِي يفرض على «مول الفران» أن يُغيّر توقيت العمل الاعتيادي للاستجابة لزيادة الطلب على خِدْماته، كما أنّه مُطالب بمضاعفة جهوده ليدقق العمل ويُقلّل من هامش الخطأ، والحرص على الإتقان حتَّى تكون المخبوزات والمطهيات والحلوى في مستوى الجودة وتطلعات ربَّات البيوت، اللواتي فضلن اللجوء للفرن التقليدي، على طهيها كالمعتاد بالفرن الكهربائي بالمنزل.
ففي مدينة طنجة أو طنجيس، وبالضبط بسينما المغرب، نجد هناك فرنًا تقليديًا قديمًا جدًّا يعود لعقود من الزمن، حيث تجد با محمد بابتسامته المعهودة يستقبل زبناءه بفرح كبير ويبذل كل ما في جهده من أجل إرضاء الكل. با محمد في دردشة خصّ بها هيئة تحرير جريدة «لاديبيش»، أكَّد أنَّ الإقبال يتزايد على الفرن التقليدي، خصوصًا مع اقتراب مناسبة عيد الفطر، الأمر الَّذِي يتطلب منه مجهودًا إضافيًّا ليلبّي طلبات الزبناء، بالشكل الَّذِي يرضيهم.
ويضيف با محمد، في مثل هَذِهِ المناسبة نبدأ العمل مع زوال اليوم أو بعد صلاة الظهر، لكن قد يمتد عملنا إلى حدود الفجر، خصوصًا ليلة عيد الفطر، فقد نعمل 16 ساعة في اليوم، لكي نستطيع تلبية طلبات الزبناء المتزايدة.
وفي هَذَا الصدد، يستحضر جلال، من ساكنة «حي أحرضان» بالمصلى، ذكريات الطفولة مع فران الحي الَّذِي ما زال يلجأ إليه حتَّى الآن لإعداد الخبز والحلويات وبعض الوجبات، كما يقتسم معه سكان الحي إفطار رمضان عرفانًا بتفانيه في العمل وحرصه على خدمتهم إلى غاية أذان المغرب.
جلال يُؤكّد في معرض حديثه مع جريدة «لاديبيش»، رغم تحول الزمن وتطوره، وتراجع مجموعة من العادات والتقاليد الَّتِي بدأت تتلاشى، فإنَّ للفرن التقليدي رمزيته وهيبته.
رشيدة مواطنة مغربية تعيش بنفس الحي، أكَّدت للجريدة، أنَّها خلال شهر رمضان وبالضبط خلال اقتراب عيد الفطر، تلجأ للفرن التقليدي، خصوصًا أنَّ كلَّ الأشياء الَّتِي تطهى هناك تكون لها ميزة خاصة عكس الفرن الكهربائي. وأضافت ذات المتحدثة، رغم تطوّر الوقت وبروز الفرن الكهربائي، فإنَّ الحلوى التقليدية لا تحلو إلا في الفرن التقليدي.
بالمقابل وعودة منا إلى الفرن وأجوائه، نجد أنَّ الجميع يتساءل عن سرّ لا يعرفه إلا «معلم الفران»، وهو قدرته على تمييز خبز الزبائن وهو لا يزال في «بيت النار»، إذا نادرًا ما يخطئ في إعادة الخبز إلى أصحابه.
