القانون والناس
الشكاية بين الشاكي والتشاكي.. أي قانون رادع؟!

يحقّ له إذا تعلَّق الأمر بجريمة من الجرائم، الَّتِي تمسُّ بحقِّ الملكية العقارية، أن يتقدَّم بطلب إلى رئيس المحكمة الابتدائية لإصدار أمر بعقل العقار في إطار الأوامر المبنية على طلب، ويقبل هَذَا الأمر الطَّعن بالاستئناف داخل أجل ثمانية أيّام من تاريخ تبليغه، ولا يوقف الطَّعن وأجله التَّنفيذ.
باستقرائنا مقتضيات الفصل (445) من القانون الجنائي، نجد أنّه من أبلغ بأي وسيلة كانت، عن وشاية كاذبة ضد شخصٍ أو أكثر إلى الضُّبَّاط القضائيّين أو إلى ضُبّاط الشُّرطة القضائيَّة أو الإداريَّة أو إلى هيئات مختصّة باتِّخاذ إجراءات بشأنها أو تقديمها إلى السُّلطة المختصّة، وكذلك من أبلغ الوشاية إلى رؤساء المبلغ ضده أو أصحاب العمل الَّذِينَ يعمل لديهم، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات، وغرامة من مئتين إلى ألف درهم، ويجوز للمحكمة أن تأمر علاوةً على ذلك، بنشر حكمها كلّه أو بعضه في صحيفة أو أكثر، على نفقة المحكوم عليه. وإذا كانت الوقائع المُبلّغ بها تستوجب زجرًا جزائيًا أو إداريًّا، فإنّ المتابعة عن الوشاية الكاذبة، تطبيقًا لهَذَا النَّصّ، يمكن الشُّروع فيها، إما عقب الحكم النِّهائي ببراءة المُبلّغ ضده أو إعفائه أو عقب إصدار أمرٍ أو قرارٍ بعدم متابعته أو عقب حفظ الشِّكاية بأمر من أحد رجال القضاء أو المُوظّف أو رئيس المبلغ ضده أو مستخدمه المُختصّ بالبتِّ في الشِّكاية.
حيث إنّه اعتمد المُشرّع بهَذَا الفصل بشكلٍ أساسيٍّ على مواجهة الإشكال المرتبط بالشِّكايات الكيديّة والوشايات المجهولة؛ وسدّ الفراغ الَّذِي كان موجودًا في قانون المسطرة الجنائيَّة، الَّذِي لم يُقيّد الوشايات المجهولة بأيّ إجراءات ناظمة لها.
حتّى وإن كانت الوشايات المجهولة والشِّكايات الكيديَّة تبقى من المداخل الأساسيَّة لإجراء الأبحاث القضائية، لكنها تبقى رهينةً بمدى جدية التَّعامل معها؛ لأنَّ عمل الفاعلين بهَذَا المجال أثبتوا أنَّ جزءًا من الوشايات الَّتِي تتوصّل بها الشُّرطة القضائيَّة والنِّيابات العامّة تُفضي الأبحاث بشأنها إلى كشف أفعالٍ مُخالفةٍ للقانون، لكن أغلب الحالات الأخرى تبقى كيديةً عديمة الأثر، وتكون الغاية منها الإيقاع بأشخاصٍ وتعريضهم لمضايقات جرَّاء إجراءات البحث معهم والمسّ بسمعتهم.
المشروع، الَّذِي يهدف إلى الوقوف في وجه هَذِهِ الشِّكايات الكيديّة بمجموعة من الإجراءات لمواجهة استهداف الأشخاص دون أدلة، يأتي في وقت تستمدُّ فيه «سُلطة وكيل الملك في البحث في الشِّكايات أو الوشايات الَّتِي يكون المشتكي فيها مجهولًا والمشتكى به معلومًا روحها من القانون».
ويعتبر المستند أنّه «يفترض في النِّيابة العامّة بمجرد الوصول إلى علمها، وجود جريمة معينة أن تعمد إلى فتح بحثٍ في الموضوع، ينتهي إما بتحريك المتابعة في حال جّدية ما تضمنته الوشاية، أو الحفظ، علما أنَّ توجيه الاتّهام أو المتابعة للأشخاص يبقى موكولًا بالدَّرجة الأولى للنِّيابة العامّة، الَّتِي تنوب عن المجتمع، وبدرجة ثانية لجهاز قضاء التَّحقيق بناءً على المطالبة الَّتِي ترفعها النِّيابة العامّة أو الشِّكاية المباشرة الَّتِي يتقدم بها المشتكي».
وفي مقابل تأكيد القانون، على أنّ «كل مشتبه فيه أو متّهم بارتكاب جريمة بريء إلى أن تُثبت إدانته بمقرّر قضائيّ، مكتسب لقوة الشَّيء المقضي به، وهي المبادئ الَّتِي أنيط بالقاضي مهمة حمايتها»، حيث تنص المادة الـ40 من قانون المسطرة الجنائيَّة، على أنَّ وكيل الملك يتلقى المحاضر والشِّكايات والوشايات، ويتّخذ بشأنها ما يراه ملائمًا، ويُباشر بنفسه، أو يأمر بمباشرة الإجراءات الضَّرورية للبحث عن مُرتكبي المخالفات للقانون الجنائي، ويصدر الأمر بضبطهم وتقديمهم ومتابعتهم. بيد أنَّ الواقع إثبات الحقّ وتفعيل الآليات القانونية لردّ الاعتبار لكلّ مشتكى به تمّ الوشاية به لدى الشُّرطة.
