مجتمع
التسول بين الحاجة والامتهان.. هل تتحول طنجة إلى مدينة المتسولين؟ ومن المسؤول عن ذلك؟

ساهم انتشار فيروس «كورونا» المستجد ببلادنا، في تزايد متسارع لأعداد المتسوّلين بعاصمة البوغاز (طنجة)، إذ أصبحت بعض الفئات الَّتِي تعاني الهشاشة مضّطرة إلى الخروج للشارع العام من أجل التسوّل والحصول على قوتها اليومي.
فأينما وليت وجهك تجدُ أعدادًا هائلةً من الأشخاص في أعمار مُتفاوتة يتسوّلون، منهم مغاربة وآخرون أفارقة، وأيضًا اللاجئون السوريون، وكلّ واحد منهم يختار المكان والطريقة الَّتِي يتسوّل فيها، فهناك مَن اختار الأحياء الشعبية، ومنهم من لجأ إلى الأحياء الراقية شيئًا ما.
فمع انتشار وباء «كورونا» وتواصل الجهود الوطنيَّة للحدّ من انتشاره، لاحظنا أنَّ التدابير الوقائيَّة والخطوات المتّخذة على الصعيد المحلّي، همّت إغلاق العديد من المحلات التجاريَّة والمؤسَّسات، سواء الصناعية أو الخدماتية، مع إعادة هيكلة الفضاءات العامّة والأسواق، والمحاربة المُكثّفة لاحتلال الملك العام، وهي تدابير أدت إلى توقف الأنشطة الاقتصاديَّة للعديد من المهن.
فالتوقّف وإن كان بصفة مُؤقّتة، فقد عطَّل الحركة الاقتصاديَّة، وشلّ قطاعاتٍ متعدّدةً، ما أدى إلى عطالة كُلّية وشبه كُلّية للعديد من المهنيّين والعاملين بالقطاع «غير المهيكل»؛ أيْ أصحاب المهن الحرة اليدويّة والباعة المتجولين والحرفيين، وبعض مُسيّري المرافق، كالحمَّامات وصالات التدليك، بالإضافة إلى مهن التزيين والحفلات، والمُمونين، والقائمة تطول ليتم إضافتهم إلى الأعداد المهولة الَّتِي كانت تجعل من التسوّل مهنة لتوفير قوتها قبل جائحة «كورونا».
فعددٌ كبيرٌ من المواطنين الَّذِينَ يعانون الهشاشة، أصبحوا في حاجة ملحة إلى الحصول على دريهمات معدودة من أجل توفير قوتهم وحاجياتهم الأساسيَّة، وهو ما يُفسّر انتشار التسوّل واستفحاله في المدن الكبرى، من بينها مدينة طنجة، وانتشاره أحيانًا في صفوف الشبان والشابات الَّذِينَ يلجأون إلى طلب المساعدة، في انتظار عودة عجلة الاقتصاد إلى الدوران، وفتح أنشطة تُمكّنهم من العودة إلى سوق الشغل والحياة في ظروف كريمة.
موقع «لاديبيش 24» ولرصد هَذِهِ الظاهرة عن قُرب، أجرت جولةً استطلاعيّةً في عددٍ من أحياء المدينة، والتقت عددًا من المتسوّلين، وأيضًا من المواطنين لمعرفة أسباب الَّتِي دفعتهم للتسوّل وكانت هَذِهِ أبرز الأسباب:
- سعدية: كورونا دفعتني للتسوّل وأتعرّض للإهانة من طرف بعض المواطنين
سعدية امرأة تنحدر من مدينة الحاجب، على مشارف الانتهاء من عقدها الرابع، تخرج بشكل يومي إلى شوارع الرئيسة لمدينة طنجة، تطلب الناس وتخاطب ودّهم، لعلّها تحصل على بعض النقود تساعدها على توفير الحاجيات اليوميّة لها ولأسرتها، خصوصًا أنَّ الأسرة مُكوّنة من خمسة أطفال، أكبرهم لا يتجاوز عمره 13 عامًا، كما أنَّ زوجَها طريحُ الفراش.
سعدية وفي معرض حديثها لموقع «لاديبيش 24»، كانت تحكي عن تجربتها والدموع تنهال من عينيها، حيث كانت تعمل بإحدى المطاعم كمُنظّفة، وخلال يوم راحتها كانت تذهب للعمل في البيوت، لكن فيروس «كورونا» تسبب في إيقافها عن العمل، ولم تجد حلًا سوى التسوّل؛ لكي تعيل الأسرة. وتضيف سعدية: «في بعض الأحيان ألقى معاملة طيّبة من طرف الناس، وفي البعض الآخر ألقى الإهانة لي ولأولادي، حيث أكون مُضّطرة إلى اصطحاب معي ولدي الصغير؛ لأنَّني لا أجد مكانًا أتركه فيه.
سعدية تتمنّى أن تجد عملًا قارًا، تضمن، من خلاله، قوتها وقوت عائلاتها، خصوصًا أنَّ عمرها اقترب من الخمسين، وبالتالي تجد صعوبة بالغة لكي تجد عملًا، يغنيها عن الاحتقار الَّذِي تتعرّض له من طرف الناس كلّ مرة، ونظرتهم الشائنة.
- با أحمد.. التسوّل بدأ يتحكم فيّ
با أحمد، الرجل الَّذِي يبلغ من العمر ما يناهز 70 سنة، اعتاد لعقود طويلة أن يجعل من التسوّل مهنةً له، فأينما وليت وجهك بمنطقة المصلي، إلا وتجد هَذَا الرجل يُردّد بعضَ الكلمات الَّتِي يستعين بها من أجل التسوّل، حيث دائمًا ما يذكر الله، ويدعو مع المارة، لعلّ هَذِهِ الطريقة تكون مُجدية لجلب بعض الأموال.
با أحمد لم تدفعه كورونا للتسوّل، ولا حاجة الأطفال إلى لقمة العيش، ربَّما كان ذلك في مرحلة مُعيّنة، وإنَّما ألف هَذِهِ الطريقة السهلة الَّتِي يجلب منها الأموال، فالرجل رفض الحديث في البداية مع موقع «لاديبيش 24»، لكن الطاقم أقنعه بالتواصل، وإن كان قد أخفى بعضَ الأشياء، لكن كشف لنا عن أنَّ الحاجة في البداية كانت سببًا رئيسًا في دخوله عالم التسوّل، لكنه لقي الأمر مربحًا وسهلًا، فبعد ما تمكن من إكمال أولاده دراستهم والحصول على الوظيفة العمومية، وعددهم ثلاثة وضمان سكن قار له ولأسرته، لم يستطع أن يتوقّف عن التسوّل رغم كبر السنّ.
با أحمد، وهو اسم مستعار، يُؤكّد لنا أنّ الحاجة دفعته إلى ذلك، لكن مع مرور الوقت أصبح التسوّل يتحكّم فيه، حاول مرارًا وتكرارًا التوقّف، لكنه لم يستطع نهائيًا، الأمر الَّذِي خلق له مشاكل كبيرة مع أسرته وأولاده الَّذِينَ يطالبونه بالتوقّف، خصوصًا أنَّهم يستطيعون اليوم أن يهتمّوا بجُلّ متطلباته.
- الأفارقة المتسوّلون
منذ سنوات قليلةٍ بمدينة طنجة بدأت تطفو على السطح ظاهرة المتسوّلين الأفارقة بمدينة طنجة، فكلما زاد عددهم زادت معاناتهم، الأمر الَّذِي يدفع عددًا كبيرًا منهم إلى اللجوء للتسوّل، خصوصًا أنَّها أسهل طريقة يمكن أن يلجأوا إليها لجلب بعض الدريهمات، خصوصًا أنَّهم يجدون صعوباتٍ كثيرةً في إيجاد فرصٍ للعمل.
محمد ديارا.. لا أستطيع العودة لبلدي وأمتهن التسوّل للعيش
محمد ديارا، في عقده الثالث ينحدر من دولة مالي، يعيش مع زوجته وطفله بطنجة منذ أربع سنوات، في البداية وصل طنجة قادمًا من دولة مالي، مُعتقدًا أنَّه من السهل عليه أن يهاجر إلى إسبانيا، لكنه اصطدم بالأمر الواقع، وتبيّن له أنَّ الأمر صعبٌ للغاية، فحاول الاستقرار بطنجة، لكيلا يعود إلى بلده وأسرته خاوي الوفاض. ديارا بحسرة كبيرة، يفتح قلبه لموقع «لاديبيش 24»، ويحكي لها عن واقعه وواقع أسرته، ففي البداية اكترى غرفةً بأحد الفنادق غير المصنفة بالمدينة القديمة، وبدأ يبحث عن عمل، لكن سرعان ما انتهت النقود الَّتِي كانت معه، خصوصًا أنَّه تزوّج ورزق بطفل، فبدأت معاناته، ليضطر بعدها إلى امتهان التسوّل، لعلّه يحصل على بعض الدريهمات، وإن كان الأمر صعبًا؛ لأنّه يتعرّض في بعض الأحيان إلى معاملة سيئة.
ديارا يُؤكّد أنّه اليوم لا يستطيع الرجوع إلى بلده، لهَذَا بدأ يعتبر المغرب بلده الثاني، فهو يحاول التأقلم رغم كل الصعاب والعراقيل الَّتِي تواجههم، خصوصًا في ظل انتشار جائحة «كورونا»، بسبب حالة الطوارئ والحجر الصحي، وأيضًا الوضع الاقتصادي المُزري لدى فئات واسعة من الساكنة.
- ليساء نازحة سورية.. أتسول لكي أوفر قوتي وأفضّل استكمال حياتي بالمغرب
ليساء نازحة سورية، اضّطرت خلال الحرب الَّتِي عاشتها سوريا، أن تغادر بلدتها، لتستقرّ بمدينة طنجة المغربية، لعلّها تجد حياة كريمة أفضل ممَّا عاشتها بسوريا في السنوات الأخيرة، خصوصًا أنَّها فقدت زوجها ووالدتها وابنها الصغير، الأمر الَّذِي لم يعد يشعرها بأيّ ارتباط بالأرض الَّتِي ولدت فيها.
ليساء البالغة من العمر 46 سنة، وبمعيتها طفلة في عمرها الثامن، لم تجد حرجًا في سرد حكايتها لموقع «لاديبيش 24»، حيث أكَّدت أنَّها تُوجد بطنجة منذ خمس سنوات، تحاول فيها البحث عن العمل، لكنّ الأمر يبدو صعبًا للغاية، فإنا لا أجيد شيئًا يمكن أن أعمله، بالإضافة إلى أنَّني لست مغربية أجد صعوبة في الحصول على عمل قار يمكنني من توفير لوازم الكراء والأكل وغيرها.
ليساء، الَّتِي فضَّلت اختيار اسم آخر لها، حتّى لا يجلب لها المشاكل، قالت في البداية وبالرغم من أنَّني كنت أتسوّل؛ فإنَّني كنت أحظى بتعاطف كبيرٍ من طرف المغاربة، وكنت أوفّر حاجياتي بشكل سلسٍ وسهلٍ، لكن في الأشهر الأخيرة بدأ الأمر يصعب جدًا، خصوصًا أنَّ هناك بعضَ السوريات بدأن يُمثّلن على أساس أنَّهن مغربيّات، فبدأ الناس يفقدن الثقة في الكلّ.
وتضيف ذات المُتحدّثة، لا يُمكن أن ننسى أنَّ لجائحة «كورونا» تأثيرًا كبيرًا جدًا، فقد عانيت كثيرًا، خصوصًا في الأشهر الأولى، فأنا لم أجد النقود للأكل ولا لأداء أجرة الكراء، فالتدابير الاحترازية كانت صعبة للغاية، كما أنَّ معظم الفئات تُعاني اليوم نتائج هَذَا الفيروس. لكنها تُضيف بالرغم من كلّ الصعوبات أفضل إكمال ما تبقى لي من العمر بالمغرب وبالضبط بطنجة الرائعة.
- أحمد المرنيسي.. هل تصبح طنجة مدينة المتسولين؟
أحمد المرنيسي شاب ينحدر من طنجة حاصل على الماجستير في علم الاجتماع، ويبلغ من العمر 35 سنة، أكَّد من خلال تصريح خص به موقع «لاديبيش 24» بشأن واقع المتسوّلين بطنجة، أنَّ الأمر ليس عاديًا، ولا يمكن تحمّله أكثر، فعددُ المتسوّلين بطنجة في تزايد كبير جدًّا، فكلما كبرت المدينة وازدهرت ارتفع عددُ المتسوّلين، الَّذِينَ أصبحوا محط إزعاج للساكنة، فالبعض بدأ يفرض نفسه بالقوة، ويرغم عليك أن تمنحه النقود، بل أكثر من ذلك فهناك من يُحدّد لك المبلغ.
أحمد، أكَّد أن صمت السلطات وعدم التحرّك لمنعهم يساهم في انتشار هَذِهِ الظاهرة بشكلٍ كبيرٍ، فهي ليست قدرًا محتومًا بمدينة طنجة، حيث يتساءل أحمد لماذا مدينة إفران لا نرى فيها ولا متسول واحد، ولا جريمة؟ فالأمر ليس بالمستحيل وإنَّما يجب أن تتوافر الإرادة للقضاء على هَذِهِ الظاهرة، فالمتسولون بطنجة منهم مَن يأتي من مدن الداخل، ومنهم الفارقة والسوريون، فهل تتحوّل طنجة إلى مدينة المتسولين؟ ومَن المسؤول عن انتشار هَذِهِ الظاهرة الَّتِي تساهم في بروز ظواهر اجتماعية أخرى لا يحمد عقباها، مثل استغلال الأطفال في عملية التسوّل وبروز ظاهرة كرائهم، وغيرها من الظواهر الأخرى الَّتِي ترافق التسوّل بالمدينة.
