تواصل معنا

في الواجهة

الاستعمال العكسي للخطّ المغاربي الأوروبي جعلها محطة أساسية في الأمن الطاقي للمملكة

قصة انبعاث «ميطرا غاز».. المؤسسة التي أرادت الجزائر أن تنسفها لكن استيراد الغاز من إسبانيا أنقذها

انبعثت شركة «ميطرا غاز» من جديد خلال الأشهر الماضية، فبعد أن كانت قد دخلت في مرحلة جمود، فرضه عليها قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، نهاية أكتوبر من سنة 2021، بعدم تجديد عقود خط الغاز المغاربي الأوروبيّ، أنقذتها فكرة الاستخدام العكسي لخط الأنابيب من الاندثار نهائيا، وأعادت لها دورها المُهمّ في الصناعة الطاقية بالمغرب.

  • من الجزائر.. بداية القصة

وبدأت قصة أزمة «ميطرا غاز» من الجزائر، إذ قررت الرئاسة الجزائرية في بيان وقف العلاقة التجارية الَّتِي كانت تربط شركة «سوناطراك» المكلفة بمجال النفط والغاز في البلاد، بالمغرب، وذلك مع انتهاء العقد الَّذِي يربط الطرفين بتاريخ 31 أكتوبر 2021، وذلك في سياق الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، الأمر الَّذِي أنهى 25 عامًا من التعاون الثلاثي بين المغرب والجزائر وإسبانيا، وفي الوقت نفسه أوقع «ميطرا غاز» في مأزق على اعتبار أنّها المسؤولة عن نقل تدفقات الغاز الطبيعي الجزائري إلى أوروبّا عبر البحر.

وأعلنت الجزائر مواصلة مد إسبانيا بالغاز، لكن عبر الخط البحري المباشر «ميد غاز»، وهو الأمر الَّذِي أرادت من خلاله كسب مدريد إلى صفها، وفي الوقت نفسه التسبب في أزمة داخلية للمغرب، عبر وقف نصيبها من تدفقات الغاز الطبيعي وفق العقد الَّذِي بلغ نهايته، الأمر الَّذِي كانت تسعى من خلاله أساسًا إلى وقف إنتاج الكهرباء والتسبّب في أزمة بالنسبة للمواطنين المغاربة الَّذِينَ يستعملون الغاز الطبيعي في التدفئة، وهو ما روّج له بقوة إعلامها عبر مقاطع اتّضح أنّها مفبركة.

لكن من بين أوجه المشاكل الَّتِي نجحت الجزائر بالفعل في خلقها، وقف العمل بشركة «ميطرا غاز»، بالإضافة إلى تعطيل منشأتي «تاهدارت» و«عين بني مطهر» الحراريتين المسؤولتين عن إنتاج جزء من حاجيات المملكة من الطاقة الكهربائية، وبالفعل بدأت حالة الشك تدب في نفوس العاملين في الشركة، حتَّى قبل أن تُحدد الرئاسة الجزائرية موقفها بشكل نهائي، وتأكد الأمر بعد ذلك، حين أُعلن قرارها بعدم تجديد العقد، ما يعني أن مصير العاملين بات مجهولًا.

ووجد ما يناهز 60 عاملًا، بين مهندسين وتقنيين، موزعين على مقر «ميطرا غاز» في طنجة أو على المحطتين الحراريتين لتاهدارت وعين بني مطهر، ومحطتي مسون في تازة وعين دريج بوزان، أنفسهم دون عمل، لدرجة تنامي تخوفات من تكرار تجربة مصفاة «لاسامير» المتوقفة، وضياع منشأة أخرى من منشآت الطاقة بالمغرب، وزادت شكوك العاملين بسبب عدم وجود أي توضيحات من إدارة المؤسّسة، في الوقت الَّذِي كانت فيه الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية، وما رافقها من تشكيل حكومة جديدة، هي موضوع الساعة حينها، لتظل أسئلة العاملين دون إجابات.

وفي نونبر من سنة 2021، دخلت على الخطّ النقابة الوطنية لصناعات البترول والغاز، المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، حيث أصدرت بيانًا بشأن الموضوع طالبت -من خلاله- بـ«حماية وتثمين الخبرات البشرية في قطاع الغاز الطبيعي»، من خلال المحافظة على مكاسب وحقوق العاملين بشركة «ميطرا غاز» عقب إنهاء عقد توريد الغاز الجزائري إلى أوروبا، وتنفيذ المشروع الوطني للشبكة الغازية وتوفير الحاجيات الوطنية في إنتاج الطاقة الكهربائية وصناعات الفوسفاط وتكرير البترول والصناعات البتروكيماوية وغيرها من الاستعمالات الصناعية».

وخلال الأشهر الموالية، شرع العاملون في «ميطرا غاز» برسم مسلسلٍ احتجاجيٍّ، بدأ بوقفات احتجاجية في عين المكان، ألقوا من خلاله باللائمة على شركة «ناتورجي» الإسبانية المالكة للمؤسسة، الَّتِي عجزت أن تجد حلولًا بديلًا لوضعهم، مفضلة وقف العمل باعتبار أن القرار الجزائري يُمثّل قوة قاهرة، الأمر الَّذِي تطور معه الأمر إلى اعتصاماتٍ مفتوحةٍ بمقر المؤسّسة وإضرابات عن الطعام، في الوقت الَّذِي لم تكن فيه الحكومة المغربية تتفاعل مع هَذَا الموضوع.

تعامل الحكومة مع هَذَا الملف، كان يثير المزيد من القلق في نفوس العاملين بالمحطة، ففي نونبر من سنة 2021، وجه أحد الصحفيّين سؤالًا لمصطفى باتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربيّة، في أعقاب انتهاء المجلس الحكومي، حول مصير العاملين بالمؤسّسة، لكن اتّضح أنَّ الوزير لا يعرف حتَّى مكان «ميطرا غاز»، ما دفع الصحفيّين إلى توضيح الأمر له، وبأنَّ الأمر مرتبط بخط الغاز المغاربي الأوروبي.

ومع ذلك، فضَّل الناطق الرسمي باسم الحكومة عدم الإجابة، متعللًا بأن الأمور الَّتِي لها علاقة بالقضايا الخارجية تتكفّل بتوضيحها وزارة الشؤون الخارجية، وأورد أنّه لا يستطيع تقديم أي جواب، لأنّه لا يملك مُعطيات حول هَذَا الملف، الأمر الَّذِي طرح حينها العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل المؤسّسة، في حين كان يبرز أملًا ضئيلًا من بعيد مع بدء انتشار أنباء تشير إلى تطبيق فكرة الاستخدام العكسيّ لأنبوب الغاز المغاربيّ الأوروبيّ.

  • نقمة في طيها نعمة

ومن الأمور الإيجابيّة بالنسبة للمملكة، الَّتِي حملها الاتّفاق الثلاثي المغربي الإسباني الجزائري، هو أنه في حال ما توقف العمل به ولم تُجدّد الاتفاقية، فإنّ ملكية خط الأنابيب المارة عبر الأراضي المغربية تنتقل بشكلٍ تلقائيٍّ إلى الرباط، ما يعني أن المملكة أصبحت تتوافر على بنيةٍ تحتيةٍ جيّدةٍ لنقل الغاز الطبيعي في الاتّجاهين، مع العلم أنَّ الجزءَ الأكبر من الخط يمر على أراضيها، ويربط الجهة الشرقية للمغرب بجهة طنجة تطوان الحسيمة، ما يعني إمكانية استخدامه لنقل الطاقة عبر التراب الوطني.

والخط المغاربي الأوروبيّ افتتُح في دجنبر من سنة 1996، ويمتد على مسافة 1300 كيلومتر، ويمر الجزء الأكبر منه داخل الأراضي المغربية عبر 540 كيلومترًا من الأنابيب، انطلاقًا من منطقة عين بني مطهر شرقًا، وصولًا إلى سواحل طنجة عبر «ميطرا غاز»، في حين يمر على طول 520 كيلومترًا من الأراضي الجزائرية، انطلاقًا من منطقة «حاسي الرمل»، وتمرُّ كميات الغاز الطبيعي عبر أنابيب بطول 45 كيلومترًا في عرض البحر، قبل أن تصل إسبانيا، حيث يتوغل الخط على مسافة 270 كيلومترًا من إقليم الأندلس ليصل إلى مدينة قرطبة.

وحسب الاتّفاق القديم، كان المغرب يسمح بمرور كميات الغاز الجزائري من أراضيه صوب إسبانيا مقابل 7 في المئة من إجمالي تلك الكميات، أي ما يعادل 700 مليون متر مكعب سنويًا في المتوسط، ما يُشكّل تقريبا ثلثي الحاجيات السنوية المغربية من الغاز الَّتِي تصل إلى 3,1 مليار متر مكعب سنويًا، في حين كان يشتري الكميات المتبقية، وعلى عكس ما كانت تزعمه الجزائر، فإنَّ المغرب لم يكن يأخذ منها الغاز مجانًا، بل بموجب اتّفاقية تحدد رسوم استغلال الأراضي المغربية.

وتأكّدت مؤشرات عودة العمل إلى «ميطرا غاز» بشكل نهائي بعد انتقال ملكية الخط إلى المغرب، وفي نونبر من سنة 2022 كشفت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، عن تفاصيل الخطة الَّتِي اعتمدتها المملكة لمواجهة القرار الجزائري، الَّذِي نتج عنه إيقاف تدفقات الغاز الطبيعي إلى المملكة، وهي الفكرة الَّتِي تتمحور بشأن الاستعمال العكسي للخطّ عبر استيراد الكميات الَّتِي يحتاجها المغرب من إسبانيا.

وفي عرض قدمته أمام لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن حول الميزانية الفرعية لوزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، قالت بنعلي، إنه على إثر عدم تمديد العقود والاتفاقيات الخاصة بالغاز الجزائري، عملت الوزارة على وضع خطة استعجالية بهدف تلبية حاجيات محطتي تاهدارت وعين بني مطهر لتوليد الكهرباء، وكذا حاجيات القطاع الصناعي، وأضافت أن هَذِهِ الخطة ارتكزت على محورين اثنين، الأوّل يخص الولوج -ولأول مرّة في تاريخ البلاد- إلى السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال، حيث وُقّعت عدة بروتوكولات تقنية، أمَّا المحور الثاني، فيتعلق بتطوير البنية التحتية لاستيراد ونقل الغاز للمستهلكين الصناعيين.

وقبل ذلك، أعلنت الوزيرة نفسها عن عودة العمل لمحطتي «تاهدارت» و«عين بني مطهر» ذات القدرة المركبة، الَّتِي تصل إلى 850 ميغاواط وباستثمار قدره مليار دولار، مبرزةً، في حوار مع منصة «الطاقة» المتخصّصة، أن هَذَا الأمر جرى بعد وصول الغاز الطبيعي المسال المستورد من السوق الدولية، وأوردت أنَّ الغازَ الطبيعيَّ المسال يمكن أن يُستخدم في الكهرباء وفي الصناعة، وبهَذَا فالمغرب يريد الوصول إلى سوق الغاز الطبيعي المسال بطريقة دائمة غير مُتَقَطِّعَة، وذلك من خلال تزويد المحطتين بالغاز الطبيعي وتَأمينه بواسطة أنبوب الغاز «المغربي الأوروبيّ» من خلال الرابط المشترك للغاز بين المغرب وإسبانيا، وفق تدفق في الاتّجاهين في مرحلة أولى.

وحسب الوزيرة دائما، فإنَّ الخطوة الأولى ارتكزت على بناء الثقة بين الأطراف المعنية، لا سيَّما بوضع شهادات الأصل، والخطوة الثانية كانت هي فصل التَّزَوُّد بجزيئات الغاز من البنيات التحتية، وهَذَا يعني العمل على عُقود متوسطة وطويلة الأجل، أما بخصوص الخطوة الثالثة في الخطة الغازية للمملكة، فقد اقتضت من جهة عزل المخاطر على المنظومة الكهربائية، وهَذَا غير قابل للتفاوض السياسي حسب بنعلي، ومن جهة أخرى دعم القطاع الصناعي في الحفاظ على قدرته التنافسية.

  • المساهمة في الأمن الطاقي للمغرب

ومنذ دخول الاتفاق الإسباني المغربي حيز التنفيذ، أصبح لشركة «ميطرا غاز» دورٌ جديدٌ يساهم -بشكل كبير- في ضمان الأمن الطاقي للمملكة، فالمؤسّسة أصبحت تُمثّل حجر الزاوية في عملية الاستخدام العكسي لأنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، عن طريق مرور كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المستورد في حالة سائلة الَّذِي يُعاد للحالة الغازية في إسبانيا، ومن ثم يجري تصديره إلى المغرب، حيث يدخل أراضي المملكة عن طريق مدينة طنجة، من خلال منشآت «ميطرا غاز»، قبل أن يُوزّع على مناطق أخرى.

وللوقوف على أهمية الدور الَّذِي تلعبه هَذِهِ الشركة في ضمان الأمن الطاقي للمملكة، نعود إلى ما صدر من تصريحات عن وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بن علي، بتاريخ 2 ماي 2023، حيث أكَّدت أن الواردات الشهرية للغاز الطبيعي المسال، المسجلة عبر الربط المشترك بين المغرب وإسبانيا، ارتفعت بأكثر من 167 في المئة، خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية، الأمر الَّذِي يحيل على الاستخدام العكسي للخطّ المغاربي الأوروبي.

وخلال جوابها عن سؤال برلماني شفوي حول تقليص الفاتورة الطاقية الوطنية، أكَّدت الوزيرة المكلفة بالقطاع الطاقي، أنَّ الوصول إلى السوق الدولي للغاز الطبيعي المسال يساعد في تسريع تطوير الطاقات المتجدّدة، وترك الطاقات الأحفورية، فضلًا عن إزالة الكربون في الكهرباء والصناعة وتقليص الفاتورة الطاقية، وأضافت أنَّ المغرب اليوم بصدد تسريع الاستثمارات في البنية التحتية الغازية، وهو ورش منتظر منذ سنة 2009، حيث إنَّ حجم استثمارات القطاع الخاصّ في هَذَا المجال ستناهز ما بين 4 إلى 8 مليارات درهم في الأجل القريب.

وعلى الرغم من حديث الوزيرة عن الطاقات المتجددة، من خلال تأكيدها أنَّ السنة الماضية شهدت الترخيص لعدة مشاريع جديدة، بلغت قدرتها الإجمالية 1000 ميغاوات، مع الإشارة إلى أنَّها تعتبر أكبر قدرة تمّ الترخيص لها من قبل وزارة التنمية المستدامة والانتقال الطاقي في عام واحد، فقد كانت صناعة الطاقة في طنجة حاضرةً مرّة أخرى، حيث أكَّدت أنه تمت بلورة مجموعة من المبادرات والبرامج الجديدة، منها تنفيذ برنامج لتزويد المناطق الصناعية بطاقة كهربائية نظيفة ومنح الترخيص لأوّل مشروعين لتزويد المناطق الصناعية في القنيطرة وطنجة بقدرة تتجاوز 150 ميغاوات.

لكن، بالعودة إلى «ميطرا غاز» تحديدًا، تتضح أهميتها بالاطلاع على ما جاء في تقرير لوكالة الأنباء الإسبانية «إيفي» حول الأرقام الأخيرة لوزيرة الانتقال الطاقي المغربية، حيث أكَّدت أنَّ الارتفاع المسجل في واردات الرباط من مدريد يرجع إلى خط الغاز المغاربي الأوروبي، الَّذِي يُستخدم حاليًا باتجاه عكسي من أجل تزويد المغرب بالغاز المسال بعد تحويله إلى الحالة الغازية مُجدّدًا من خلال إحدى المصانع الموجودة في إسبانيا، وهي العملية الَّتِي سمحت بإعادة تشغيل المحطتين الحراريتين لتهدارت وعين بني مطهر بعد أن طالهما الإغلاق سابقًا.

ووَفْق أرقام وكالة الأنباء الإسبانية الرسمية، فإنَّ كميات الغاز الطبيعي الَّتِي تأتي من إسبانيا عبر بوابة «ميطرا غاز» ارتفعت بشكل ملحوظ ما ساهم في ضمان جزءٍ مُهمٍّ من الأمن الطاقي المغربي، حيث إنَّ الخطَّ ذاته كان يحمل 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي الجزائري في اتجاه إسبانيا سنويا عبر الأراضي المغربية، إلى غاية 2021، حين قررت الجزائر وقف العمل به، بسبب علاقاتها المتأزمة مع المغرب، ما أدَّى إلى توقف المحطتين الحراريتين الموجودتين في شمال وشرق المملكة، اللتين تسهمان بـ10 في المئة من الإنتاج الوطني للكهرباء، لكنهما عادتا للعمل بفضل الاتفاق المغربي الإسباني المعمول به حاليًا.

واستطاع هَذَا الوضع أن يحافظ لشركة «ميرا غاز» على مكانها في سوق الطاقة الوطنية، إذ بعدما كانت المركز الرئيسي لتحويل تدفقات الغاز المقبلة من الجزائر إلى إسبانيا، أصبحت الآن النقطة المحورية في عملية ضخ الغاز المستورد من شبه الجزيرة الإيبيرية إلى المغرب، حيث تمرّ كل الواردات عبره بشكلٍ عكسيٍّ، قبل أن تُحوّل إلى باقي المنشآت، وخاصة المحطة الحرارية تاهدارت ما بين طنجة وأصيلة، المسؤولة بشكل رئيسي على إنتاج الكهرباء في جهة طنجة تطوان الحسيمة، ثم المحطة الحرارية لعين بني مطهر، أهم نقطة لإنتاج الكهرباء في الجهة الشرقية للمملكة.

تابعنا على الفيسبوك