مجتمع
الإحصاء العام للسكان والسكنى.. ضرورة وطنية أم استجوابات مستفزة؟

تُعدُّ عملية إحصاء السكان والمساكن من مصدرًا رئيسيًّا لأي دولة تهدف إلى تطوير خططها المستقبلية وتقديم خِدْماتها بشكل فعال ومتساوٍ لجميع المواطنين، فعملية الإحصاء هي فرصة لجمع البيانات الديموغرافيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة الَّتِي تتيح للحكومات تحديد احتياجات السكان وتحسين مستوى المعيشة.
ومع ذلك، تثير هَذِهِ العملية بعض التساؤلات بشأن طبيعة الأسئلة المطروحة على المواطنين، خاصة عندما تتضمَّن أسئلة يعدّها البعض «مستفزة» أو تدخلًا غير مبرر في حياتهم الشخصيَّة، رغم إقرارهم بأهميَّة الإحصاء ودوره المحوري في تقديم صورة دقيقة وشاملة عن الوضع السكاني للدولة.
وإذا كانت البيانات الَّتِي تجمع، تمكن الحكومة من تخصيص الموارد بشكل أكثر فاعلية وتحسين خدمات الصحة والتعليم والبنيَّة التحتيَّة، كما تساعد في فهم التغيرات الديموغرافيَّة والهجرة الداخلية والخارجيَّة، ويتيح إعداد السياسات العامة على أسس علميَّة.
ولكن في الوقت نفسه، لا تخلو هَذِهِ العملية من تحدّيات. من أهمها قلة الوعي لدى بعض السكان بأهميَّة الإحصاء، من الَّذِينَ يعتقدون أنّ الأسئلة المطروحة لا تعود عليهم بفائدة مباشرة، بل يرون فيها مجرد إجراء بيروقراطيّ لا ينعكس على حياتهم اليوميَّة، وهنا تبرز نقطة حسّاسة تتعلق بنوعيَّة الأسئلة.
وفي أثناء عملية الإحصاء، وجد مواطنون أنفسهم أمام مجموعة متنوعة من الأسئلة بعضها واضح وبسيط، يتعلق بالعمر، والجنس، والحالة الاجتماعيَّة. ولكن هناك نوع آخر من الأسئلة يثير قلق البعض. على سبيل المثال، قد تُطرح أسئلة تتعلق بمستوى الدخل، «واش مخدمتيش في هاد 7 أيام واخة غير ساعة؟»، أو حتّى بعض التفاصيل الدقيقة بشأن ظروف السكن وأسلوب الحياة من قبيل «كوزينة وحدة عندكم؟» أو «عندكم الحمام العصري أو التقليدي أو الرشاشة؟»، هَذِهِ الأسئلة يراها البعض تدخلًا في الخصوصيات الَّتِي لا يجب على الدولة الاطّلاع عليها، وهو ما يثير نوعًا من الحساسيَّة في مجتمع ما زالت علاقته بمسألة الخصوصيَّة الفرديَّة والأسريَّة ملتبسة بشكل كبير، وغالبًا ما يميل المواطن لتجاوز هَذِهِ المعلومات بشكل غير مباشر، مما يزيد من الشعور بالريبة تجاه هَذِهِ الأسئلة.
ومن وجهة نظر القائمين على الإحصاء، فإنّ هَذِهِ الأسئلة تُعدُّ ضروريَّة لفهم الوضع العام للسكان ولتحديد الاحتياجات الأساسيَّة، فالأسئلة المتعلقة بالدخل، على سبيل المثال، تساعد في تقييم الفجوات الاقتصاديَّة بين الفئات المختلفة، بينما يمكن للأسئلة المتعلقة بالأسرة أن تسهم في وضع سياسات شاملة تعكس التنوع المجتمعي.
كما أن الأسئلة المتعلقة بالسكن والمرافق تهدف إلى تحديد مستوى جودة الحياة وتوجيه الاستثمارات الحكوميَّة إلى المناطق الأكثر احتياجًا.
في النهاية، تبقى عملية الإحصاء ضرورةً لا غنى عنها لتطوير الخدمات وتحسين جودتها، ولكن نجاح العملية -في حد ذاتها- يعتمد بشكل كبير على الثقة المتبادلة بين المواطنين والحكومة، ما يتطلب مجهودًا تواصليًّا أكبر لتوضيح أهميَّة البيانات المجمعة وسبل استخدامها، مع مراعاة الخصوصيَّة الفرديَّة واحترام الحساسيات الاجتماعيَّة والثقافيَّة، إذ إنّ تحقيق هَذَا التوازن كفيل بأن يجعل من عملية الإحصاء أداة فعالة للدفع بعجلة التنميَّة.
